الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه. والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب. قال تعالى: ورحمته اسم جامع لكل خير. وعذابه اسم جامع لكل شر. ودار الرحمة الخالصة هي الجنة، ودار العذاب الخالص هي النار، وأما الدنيا فدار امتزاج، فالرجاء وإن تعلق بدخول الجنة فالجنة اسم جامع لكل نعيم، وأعلاه النظر إلى وجه اللّه، كما في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند اللّه موعدًا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار؟) قال: (فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه) وهو الزيادة. ومن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول من قال: ما عبدتك شوقًا إلى جنتك ولا خوفًا من نارك، وإنما عبدتك شوقًا إلى رؤيتك، فإن هذا القائل ظن هو ومن تابعه أن الجنة لايدخل في مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح والسماع ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، كما يوافقه على ذلك من ينكر رؤية اللّه من الجهمية، أو من يقربها ويزعم أنه لا تمتع بنفس رؤية اللّه، كما يقوله طائفة من المتفقهة. فهؤلاء متفقون على أن مسمى الجنة والآخرة / لا يدخل فيه إلا التمتع بالمخلوقات؛ ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله: والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه اللّه، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة، كما أخبرت به النصوص. وكذلك أهل النار فإنهم محجوبون عن ربهم، ويدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفًا بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق نارًا أو لو لم تخلق جنة لكان يجب أن تعبد ويجب التقرب إليك والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق. وأما عمل الحي بغير حب ولا إرادة أصلا، فهذا ممتنع وإن تخيله بعض الغالطين من النساك، وظن أن كمال العبد ألا تبقى له إرادة أصلا؛ فذاك لأنه تكلم في حال الفناء والفاني ـ الذي يشتغل بمحبوبه ـ له إرادة ومحبة ولكن لا يشعر بها، فوجود المحبة شيء، والإرادة شيء، والشعور بها شيء آخر. فلما لم يشعروا بها ظنوا انتفاءها وهو غلط، فالعبد لا يتصور أن يتحرك قط إلا عن حب وبغض وإرادة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصدق الأسماء حارث وهمام). فكل إنسان له حرث وهو العمل، وله هم وهو أصل /الإرادة، ولكن تارة يقوم بالقلب من محبة اللّه ما يدعوه إلى طاعته، ومن إجلاله والحياء منه ما ينهاه عن معصيته، كما قال عمر ـ رضي اللّه عنه: نعم العبد صهيب، لو لم يخف اللّه لم يعصه أي: هو لم يعصه ولو لم يخفه، فكيف إذا خافه، فإن إجلاله وإكرامه للّه يمنعه من معصيته. فالراجي الخائف إذا تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب باحتجاب الرب عنه، والتنعم بتجليه له، فمعلوم أن هذا من توابع محبته له، فالمحبة هي التي أوجبت محبة التجلي والخوف من الاحتجاب، وإن تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب بمخلوق والتنعم به، فهذا إنما يطلب ذلك بعبادة اللّه المستلزمة محبته، ثم إذا وجد حلاوة محبة اللّه وجدها أحلى من كل محبة؛ ولهذا يكون اشتغال أهل الجنة بذلك أعظم من كل شيء، كما في الحديث: (إن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النَّفَس) وهو يبين غاية تنعمهم بذكر اللّه ومحبته. فالخوف من التعذب بمخلوق والرجاء له يسوقه إلى محبة اللّه التي هي الأصل. وهذا كله ينبني على أصل المحبة، فيقال: قد نطق الكتاب والسنة بذكر محبة العباد المؤمنين، كما في قوله: /بل محبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجبت لمحبة اللّه كما في قوله تعالى: وكذلك محبة صحابته وقرابته، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)، وقال: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن باللّه واليوم الآخر)، وقال على ـ رضي اللّه عنه: إنه لعهد النبي الأمي إلىَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. وفي السنن أنه قال للعباس: (والذي نفسي بيده، لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم للّه ولقرابتي) يعني: بني هاشم، وقد روى حديث عن ابن عباس مرفوعًا أنه قال: (أحبوا اللّه لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب اللّه، وأحبوا أهل بيتي لأجلي). وأما محبة الرب ـ سبحانه ـ لعبده فقال تعالى: وأما الأعمال التي يحبها اللّه من الواجبات والمستحبات الظاهرة والباطنة فكثيرة معروفة، وكذلك حبه لأهلها وهم المؤمنون أولياء اللّه المتقون. وهذه المحبة حق كما نطق بها الكتاب والسنة، والذي عليه سلف الأمة وأئمتها وأهل السنة والحديث وجميع مشائخ الدين المتبعون، وأئمة التصوف إن اللّه ـ سبحانه ـ محبوب لذاته محبة حقيقية، بل هي أكمل محبة، فإنها كما قال تعالى: وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة من الطرفين، زعمًا منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة، وكان أول من ابتدع هذا في الإسلام هو الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية فضحى به خالد بن عبد اللّه القسري أمير العراق والمشرق بواسط. خطب الناس يوم الأضحى فقال: أيها الناس، ضَحُّوا تقبل اللّه ضحاياكم، فإني مُضَحّ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن اللّه لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولم يكلم / موسي تكليمًا، ثم نزل فذبحه، وكان قد أخذ هذا المذهب عنه الجهم بن صفوان فأظهره وناظر عليه، وإليه أضيف قول الجهمية، فقتله سلم بن أحوز أمير خراسان بها، ثم انتقل ذلك إلى المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد، وظهر قولهم أثناء خلافة المأمون، حتى امتحن أئمة الإسلام ودعوا إلى الموافقة لهم على ذلك. وأصل قولهم هذا مأخوذ عن المشركين والصابئة من البراهمة والمتفلسفة ومبتدعة أهل الكتاب الذين يزعمون أن الرب ليس له صفة ثبوتية أصلًا، وهؤلاء هم أعداء إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ وهم يعبدون الكواكب ويبنون الهياكل للعقول والنجوم وغيرها، وهم ينكرون في الحقيقة أن يكون إبراهيم خليلًا، وموسى كليما، لأن الخلة هي كمال المحبة المستغرقة للمحب كما قيل: قد تخللت مسلك الروح مني ** وبذا سمى الخليل خليلًا ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل اللّه) يعني: نفسه، وفي رواية: (إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا)، وفي رواية: (إن اللّه اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم /خليلًا)، فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلح له أن يتخذ من المخلوقين خليلًا، وأنه لو أمكن ذلك لكان أحق الناس بها أبو بكر الصديق ـ رضي اللّه عنه. مع أنه صلى الله عليه وسلم قد وصف نفسه بأنه يحب أشخاصًا كما قال لمعاذ: (واللّه إني لأحبك) وكذلك قوله للأنصار. وكان زيد بن حارثة حب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكذلك ابنه أسامة حبه، وأمثال ذلك. وقال له عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك ؟ قال: (عائشة). قال: فمن الرجال؟ قال: (أبوها)، وقال لفاطمة ابنته ـ رضي اللّه عنها: (ألا تحبين ما أحب؟) قالت: بلى، قال: (فأحبي عائشة). وقال للحسن: (اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه) وأمثال هذا كثير. فوصف نفسه بمحبة أشخاص وقال: (إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلًا)، فعلم أن الخلة أخص من مطلق المحبة بحيث هي من كمالها وتخللها المحب حتى يكون المحبوب بها محبوبًا لذاته لا لشيء آخر؛ إذ المحبوب لشيء غيره هو مؤخر في الحب عن ذلك الغير، ومن كمالها لا تقبل الشركة والمزاحمة لتخللها المحب ففيها كمال التوحيد وكمال الحب. فالخلة تنافى المزاحمة، وتقدم الغير بحيث يكون المحبوب محبوبًا لذاته / محبة لا يزاحمه فيها غيره، وهذه محبة لا تصلح إلا للّّه، فلا يجوز أن يشركه غيره فيما يستحقه من المحبة، وهو محبوب لذاته وكل ما يحب غيره ـ إذا كان محبوبًا بحق ـ فإنما يحب لأجله، وكل ما أحب لغيره فمحبته باطلة، فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان للّه تعالى. وإذا كانت الخلة كذلك فمن المعلوم أن من أنكر أن يكون اللّه محبوبًا لذاته ينكر مخاللته. وكذلك أيضًا إن أنكر محبته لأحد من عباده فهو ينكر أن يتخذه خليلًا بحيث يحب الرب ويحبه العبد على أكمل ما يصلح للعباد. وكذلك تكليمه لموسى أنكروه؛ لإنكارهم أن تقوم به صفة من الصفات أو فعل من الأفعال، فكما ينكرون أن يتصف بحياة أو قدرة أو علم أو أن يستوى أو أن يجيء فكذلك ينكرون أن يتكلم أو يكلم، فهذا حقيقة قولهم. لكن لما كان الإسلام ظاهرًا والقرآن متلوا، لا يمكن جحده لمن أظهر الإسلام، أخذوا يلحدون في أسماء اللّه ويحرفون الكلم عن مواضعه فتأولوا محبة العباد له بمجرد محبتهم لطاعته أو التقرب إليه، وهذا جهل عظيم؛ فإن محبة المتقرب إلى المتقرب إليه تابع لمحبته وفرع عليه، فمن لا يحب الشيء لا يمكن أن يحب التقرب إليه؛ إذ التقرب وسيلة، ومحبة الوسيلة تبع لمحبة المقصود، فيمتنع أن تكون الوسيلة إلى الشيء المحبوب هي المحبوب دون الشيء المقصود بالوسيلة. /وكذلك العبادة والطاعة، إذا قيل في المطاع المعبود: إن هذا يحب طاعته وعبادته، فإن محبته ذلك تبع لمحبته، وإلا فمن لا يحب لا يحب طاعته وعبادته، ومن كان لا يعمل لغيره إلا لعوض يناله منه أو لدفع عقوبة فإنه يكون معاوضًا له أو مفتديًا منه لا يكون محبًا له. ولا يقال إن هذا يحبه ويفسر ذلك بمحبة طاعته وعبادته، فإن محبة المقصود وإن استلزمت محبة الوسيلة أو غير محبة الوسيلة، فإن ذلك يقتضى أن يعبر بلفظين: محبة العوض والسلامة عن محبة العمل. أما محبة اللّه فلا تعلق لها بمجرد محبة العوض، ألا ترى أن من استأجر أجيرًا بعوض لا يقال: إن الأجير يحبه بمجرد ذلك. بل قد يستأجر الرجل من لا يحبه بحال بل من يبغضه، وكذلك من افتدى نفسه بعمل من عذاب معذب لا يقال: إنه يحبه بل يكون مبغضًا له. فعلم أن ما وصف اللّه به عباده المؤمنين من أنهم يحبونه يمتنع ألا يكون معناه إلا مجرد محبة العمل الذي ينالون به بعض الأغراض المخلوقة من غير أن يكون ربهم محبوبًا أصلا. وأيضًا، فلفظ العبادة متضمن للمحبة مع الذل كما تقدم؛ ولهذا كانت محبة القلب للبشر على طبقات: أحدها: العلاقة: وهو تعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة: وهو انصباب القلب إليه، ثم الغرام: وهو الحب اللازم، ثم العشق وآخر / المراتب هو التتيم: وهو التعبد للمحبوب، والمتيم المعبود، وتيم اللّه عبد اللّه فإن المحب يبقى ذاكرًا معبدًا مذللًا لمحبوبه. وأيضًا، فاسم الإنابة إليه يقتضى المحبة أيضًا، وما أشبه ذلك من الأسماء، كما تقدم. وأيضًا، فلو كان هذا الذي قالوه حقًا من كون ذلك مجازًا لما فيه من الحذف والإضمار، فالمجاز لا يطلق إلا بقرينة تبين المراد. ومعلوم أن ليس في كتاب اللّه وسنة رسوله ما ينفي أن يكون اللّه محبوبًا، وألا يكون المحبوب إلا الأعمال لا في الدلالة المتصلة ولا المنفصلة بل ولا في العقل أيضًا. وأيضًا: فمن علامات المجاز صحة إطلاق نفيه، فيجب أن يصح إطلاق القول بأن اللّه لا يُحِبّ ولا يُحَبّ، كما أطلق إمامهم الجعد ابن درهم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، ومعلوم أن هذا ممتنع بإجماع المسلمين، فعلم دلالة الإجماع على أن هذا ليس مجازًا، بل هي حقيقة. و أيضًا، فقد فرق بين محبته ومحبة العمل له في قوله تعالى: وأيضًا، فالتعبير بمحبة الشيء عن مجرد محبة طاعته لا عن محبة نفسه أمر لا يعرف في اللغة لا حقيقة ولا مجازًا، فحمل الكلام عليه تحريف محض أيضا. وقد قررنا في مواضع من القواعد الكبار أنه لا يجوز أن يكون غير اللّه محبوبًا مرادًا لذاته كما لا يجوز أن يكون غير اللّه موجودًا بذاته، بل لا رب إلا اللّه، ولا إله إلا هو المعبود، الذي يستحق أن يحب لذاته ويعظم لذاته، كمال المحبة والتعظيم. وكل مولود يولد على الفطرة فإنه ـ سبحانه ـ فطر القـلوب على أنه ليس في محبوباتها ومراداتها ما تطمئن إليه وتنتهى إليه إلا اللّه وحده، وإن كل ما أحبه المحبوب من مطعوم وملبوس ومنظور ومسموع وملموس يجد من نفسه أن قلبه يطلب شيئًا سواه، ويحب أمرًا غيره يتألهه ويصمد إليه ويطمئن إليه ويرى ما يشبهه من هذه الأجناس؛ ولهذا قال اللّه تعالى في كتابه: وأيضًا، فكل ما فطرت القلوب على محبته من نعوت الكمال فاللّه هو المستحق له على الكمال، وكل ما في غيره من محبوب فهو منه ـ سبحانه وتعالى ـ فهو المستحق لأن يحب على الحقيقة والكمال. وإنكار محبة العبد لربه هو في الحقيقة إنكار لكونه إلهًا معبودًا، كما أن إنكار محبته لعبده يستلزم إنكار مشيئته وهو يستلزم إنكار كونه ربًا خالقًا فصار إنكارها مستلزمًا لإنكار كونه رب العالمين، ولكونه إله العالمين. وهذا هو قول أهل التعطيل والجحود. ولهذا اتفقت الأمتان قبلنا على ما عندهم من مأثور وحكم عن موسى وعيسى ـ صلوات اللّه عليهما وسلامه ـ أن أعظم الوصايا أن تحب اللّه بكل قلبك وعقلك وقصدك، وهذا هو حقيقة الحنيفية ملة إبراهيم التي هي أصل شريعة التوراة والإنجيل والقرآن، وإنكار ذلك هو مأخوذ عن المشركين والصابئين أعداء إبراهيم الخليل، ومن وافقهم على ذلك من متفلسف ومتكلم ومتفقه ومبتدع أخذه عن هؤلاء، وظهر ذلك في القرامطة الباطنية من الإسماعيلية؛ ولهذا قال الخليل إمام الحنفاء ـ صلوات اللّه وسلامه عليه : وأما قولهم: إنه لا مناسبة بين المحدث والقديم توجب محبته له وتمتعه بالنظر إليه. فهذا الكلام مجمل، فإن أرادوا بالمناسبة أنه ليس بينهما توالد فهذا حق، وإن أرادوا أنه ليس بينهما من المناسبة ما بين الناكح والمنكوح والآكل والمأكول أو نحو ذلك فهذا أيضًا حق، وإن أرادوا أنه لا مناسبة بينهما توجب أن يكون أحدهما محبًا عابدًا والآخر معبودًا محبوبًا فهذا هو رأس المسألة، فالاحتجاج به مصادرة على المطلوب، ويكفي في ذلك المنع. ثم يقال: بل لا مناسبة تقتضي المحبة الكاملة إلا المناسبة التي بين المخلوق والخالق، الذي لا إله غيره، الذي هو في السماء إله وفي الأرض إله، وله المثل الأعلى في السموات والأرض. وحقيقة قول هؤلاء جحد كون اللّه معبودًا في الحقيقة؛ ولهذا وافق على هذه المسألة طوائف من الصوفية المتكلمين الذين ينكرون أن يكون اللّه محبًا في الحقيقة، فأقروا بكونه محبوبًا ومنعوا كونه محبًا؛ لأنهم تصوفوا مع ما كانوا عليه من قول أولئك المتكلمة، فأخذوا عن الصوفية مذهبهم في المحبة وإن كانوا قد يخلطون فيه، وأصل إنكارها إنما هو قول المعتزلة ونحوهم من الجهمية، فأما محبة الرب عبده فهم لها أشد إنكارًا. ومنكروها قسمان: /قسم يتأولونها بنفس المفعولات التي يحبها العبد فيجعلون محبته نفس خلقه. وقسم يجعلونها نفس إرادته لتلك المفعولات. وقد بسطنا الكلام في ذلك في قواعد الصفات والقدر وليس هذا موضعها. ومن المعلوم أنه قد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة على أن اللّه يحب ويرضى ما أمر بفعله من واجب ومستحب، وإن لم يكن ذلك موجودًا، وعلى أنه قد يريد وجود أمور يبغضها ويسخطها من الأعيان والأفعال كالفسق والكفر، وقد قال اللّه تعالى: والمقصود هنا إنما هو ذكر محبة العباد لإلههم. وقد تبين أن ذلك هو أصل أعمال الإيمان، ولم يتبين بين أحد من سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان نزاع في ذلك، وكانوا يحركون هذه المحبة بما شرع اللّه أن تحرك به من أنواع العبادات الشرعية، كالعرفان الإيماني والسماع الفرقاني، قال تعالى: /ثم إنه لما طال الأمد صار في طوائف المتكلمة من المعتزلة وغيرهم من ينكر هذه المحبة. وصار في بعض المتصوفة من يطلب تحريكها بأنواع من سماع الحديث كالتغيير، وسماع المكاء والتصدية، فيسمعون من الأقوال والأشعار ما فيه تحريك جنس الحب الذي يحرك من كل قلب ما فيه من الحب بحيث يصلح لمحب الأوثان والصلبان والإخوان والأوطان والمردان والنسوان كما يصلح لمحب الرحمن، ولكن كان الذين يحضرونه من الشيوخ يشترطون له المكان والإمكان والخلان، وربما اشترطوا له الشيخ الذي يحرس من الشيطان، ثم توسع في ذلك غيرهم حتى خرجوا فيه إلى أنواع من المعاصي، بل إلى أنواع من الفسوق، بل خرج فيه طوائف إلى الكفر الصريح بحيث يتواجدون على أنواع من الأشعار التي فيها الكفر والإلحاد، مما هو من أعظم أنواع الفساد، وينتج ذلك لهم من الأحوال بحسبه، كما تنتج لعباد المشركين وأهل الكتاب عباداتهم بحسبها. والذي عليه محققو المشائخ أنه كما قال الجنيد ـ رحمه اللّه: من تكلف السماع فتن به، ومن صادفه السماع استراح به، ومعنى ذلك أنه لا يشرع الاجتماع لهذا السماع المحدث، ولا يؤمر به، ولا يتخذ ذلك دينًا، وقربة، فإن القرب والعبادات إنما تؤخذ عن الرسل ـ صلوات اللّه وسلامه عليهم ـ فكما أنه لا حرام إلا ما حرمه اللّه ولا دين إلا ما شرعه اللّه. قال اللّه تعالى: فلو كان هذا مما يؤمر به ويستحب وتصلح به القلوب للمعبود المحبوب، لكان ذلك مما دلت الأدلة الشرعية عليه. ومن المعلوم أنه لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) لا في الحجاز، ولا في الشام، ولا في اليمن، ولا في العراق، ولا في مصر، ولا في خُرَاسان أحد من أهل الخير والدين يجتمع على السماع المبتدع لصلاح القلوب؛ ولهذا كرهه الأئمة كالإمام أحمد وغيره، حتى عده الشافعي من أحداث الزنادقة حين قال: خلفت ببغداد شيئًا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن. /وأما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع، فلا يترتب عليه لا نهي ولا ذم باتفاق الأئمة؛ ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا على السماع، فالمستمع للقرآن يثاب عليه والسامع له من غير قصد وإرادة لا يثاب على ذلك؛إذ الأعمال بالنيات، وكذلك ما ينهى عن استماعه من الملاهي لو سمعه السامع بدون قصده لم يضره ذلك، فلو سمع السامع بيتًا يناسب بعض حاله فحرك ساكنه المحمود وأزعج قاطنه المحبوب أو تمثل بذلك ونحو ذلك لم يكن هذا مما ينهى عنه، وكان المحمود الحسن حركة قلبه التي يحبها اللّه ورسوله إلى محبته التي تتضمن فعل ما يحبه اللّه وترك ما يكرهه اللّه، كالذي اجتاز بيتًا فسمع قائلًا يقول: كل يوم تتلون ** غير هذا بك أجمل فأخذ منه إشارة تناسب حاله، فإن الإشارات من باب القياس والاعتبار وضرب الأمثال. ومسألة [السماع] كبيرة منتشرة قد تكلمنا عليها في غير هذا الموضع. والمقصود هنا أن المقاصد المطلوبة للمريدين تحصل بالسماع الإيماني القرآني النبوي الديني الشرعي الذي هو سماع النبيين، وسماع العالمين، وسماع العارفين، وسماع المؤمنين. قال اللّه تعالى: وكما مدح المقبلين على هذا السماع فقد ذم المعرضين عنه في مثل قوله: وقال تعالى: وهذا كان سماع سلف الأمة وأكابر مشائخها وأئمتها كالصحابة والتابعين ومن بعدهم من المشائخ كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، وأمثال هؤلاء. وكان عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى، ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يسمعون ويبكون. وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم أن يقرأ القرآن والباقي يستمعون، وقد ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فجعل يستمع لقراءته وقال: (لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود)، وقال: (مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك)، فقال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا، أي: لحسنته لك تحسينًا، وقال صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم)، وقال: (للّه أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته) ـ أذنا أي: استماعًا ـ كقوله: /ولهذا السماع من المواجيد العظيمة، والأذواق الكريمة، ومزيد المعارف والأحوال الجسيمة ما لا يتسع له خطاب، ولا يحويه كتاب، كما أن في تدبر القرآن وتفهمه من مزيد العلم والإيمان ما لا يحيط به بيان. ومما ينبغي التفطن له أن اللّه ـ سبحانه ـ قال في كتابه: وقال بعضهم: من عبد اللّه بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد اللّه بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، وذلك؛ لأن الحب المجرد تنبسط النفوس فيه حتى تتوسع في أهوائها، إذا لم يزعها وازع الخشية للّه حتى قالت اليهود والنصارى: وكان المشائخ المصنفون في السنة يذكرون في عقائدهم مجانبة من يكثر دعوى المحبة والخوض فيها من غير خشية؛ لما في ذلك من الفساد الذي وقع فيه طوائف من المتصوفة، وما وقع في هؤلاء من فساد الاعتقاد، والأعمال أوجب إنكار طوائف لأصل طريقة المتصوفة بالكلية، حتى صار المنحرفون صنفين : صنف يقر بحقها وباطلها. وصنف ينكر حقها وباطلها، كما عليه طوائف من أهل الكلام والفقه. والصواب إنما هو الإقرار بما فيها ، وفي غيرها من موافقة الكتاب، والسنة ، والإنكار لما فيها وفي غيرها من مخالفة الكتاب والسنة. وقال تعالى: وكثير ممن يدعي المحبة هو أبعد من غيره عن اتباع السنة، وعن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل اللّه، ويدعي مع هذا أن ذلك أكمل لطريق المحبة من غيره؛ لزعمه أن طريق المحبة للّه ليس فيه غيره، ولا غضب للّه، وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة؛ ولهذا في الحديث المأثور، يقول اللّه ـ تعالى ـ يوم القيامة: (أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)، فقوله: أين المتحابون بجلال اللّه تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال اللّه وتعظيمه مع التحاب فيه، وبذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا يحفظون حدوده لضعف الإيمان في قلوبهم، وهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث: (حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتجالسين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في)، والأحاديث في المتحابين في اللّه كثيرة. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه: (سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة اللّه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يرجع إليه، ورجلان تحابا في اللّه اجتمعا وتفرقا عليه. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللّه خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة / ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين). وأصل المحبة: هو معرفة اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ ولها أصلان: أحدهما: وهو الذي يقال له: محبة العامة؛ لأجل إحسانه إلى عباده، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، واللّه ـ سبحانه ـ هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة، فإنه المتفضل بجميع النعم، وإن جرت بواسطة، إذ هو ميسر الوسائط؛ ومسبب الأسباب، ولكن هذه المحبة في الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة اللّه نفسه، فما أحب العبد في الحقيقة إلا نفسه، وكذلك كل من أحب شيئًا لأجل إحسانه إليه فما أحب في الحقيقة إلا نفسه. وهذا ليس بمذموم بل محمود. وهذه المحبة هي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: (أحبوا اللّه لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب اللّه، وأحبوا أهلي بحبي)، والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة اللّه ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه، وهذا كما قالوا: إن الحمد للّه على نوعين: حمد هو شكر، وذلك لا يكون إلا على نعمته. وحمد هو مدح وثناء عليه ومحبة له وهو بما يستحقه لنفسه ـ سبحانه ـ / فكذلك الحب، فإن الأصل الثاني فيه هو محبته لما هو له أهل، وهذا حب من عرف من اللّه ما يستحق أن يحب لأجله، وما من وجه من الوجوه التي يعرف اللّه بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه حتى جميع مفعولاته؛ إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل؛ ولهذا استحق أن يكون محمودًا على كل حال، ويستحق أن يحمد على السراء، والضراء، وهذا أعلى وأكمل، وهذا حب الخاصة. وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم، ويتلذذون بذكره ومناجاته، ويكون ذلك لهم أعظم من الماء للسمك، حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون، وهم السابقون كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بجبل يقال له: جمدان، فقال: (سيروا هذا جمدان، سبق المفردون)، قالوا: يا رسول اللّه، من المفردون؟ قال: (الذاكرون اللّه كثيرًا والذاكرات)، وفي رواية أخرى قال: (المستهترون بذكر اللّه يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون الله يوم القيامة خفافًا) والمستهتر بذكر الله يتولع به ينعم به كلف لا يفتر منه. وفي حديث هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنهما ـ قال: قال موسى: يا رب، أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يطلب علم الناس إلى علمه ليجد كلمة تدله على / هدى أو ترده عن ردى، قال أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم على نفسه كما يحكم على غيره ويحكم لغيره كما يحكم لنفسه(3). فذكر في هذا الحديث الحب والعلم والعدل وذلك جماع الخير. ومما ينبغي التفطن له أنه لا يجوز أن يظن في باب محبة اللّه ـ تعالى ـ ما يظن في محبة غيره مما هو من جنس التجني، والهجر، والقطيعة لغير سبب ونحو ذلك، مما قد يغلط فيه طوائف من الناس، حتى يتمثلون في حبه بجنس ما يتمثلون به في حب من يصد ويقطع بغير ذنب، أو يبعد من يتقرب إليه، وإن غلط في ذلك من غلط من المصنفين في رسائلهم حتى يكون مضمون كلامهم إقامة الحجة على اللّه، بل للّه الحجة البالغة. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يقول اللّه تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلى ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة). وفي بعض الآثار يقول اللّه تعالى: (أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، وإن تابوا فأنا حبيبهم ـ لأن اللّه يحب التوابين ـ وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب حتى أطهرهم من المعائب). /وقد قال تعالى: ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن شداد بن أوس قال: قال / رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا اللّه أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك على، وأبوء بذنبي فاغفرلي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها إذا أصبح موقنًا بها فمات في يومه دخل الجنة، ومن قالها إذا أمسى موقنًا بها فمات من ليلته دخل الجنة). فالعبد دائما بين نعمة من اللّه يحتاج فيها إلى شكر، وذنب منه يحتاج فيه إلى الاستغفار، وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا، فإنه لا يزال يتقلب في نعم اللّه وآلائه، ولا يزال محتاجًا إلى التوبة والاستغفار. ولهذا كان سيد ولد آدم، وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر في جميع الأحوال. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: (أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فإني لأستغفر اللّه، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)، وفي صحيح مسلم أنه قال: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر اللّه في اليوم مائة مرة)، وقال عبد اللّه بن عمر: كنا نعد لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول: (رب اغفر لي وتب على، إنك أنت التواب الغفور، مائة مرة). /ولهذا شرع الاستغفار في خواتيم الأعمال. قال تعالى: ولهذا كان قوام الدين بالتوحيد والاستغفار، كما قال اللّه تعالى: ولهذا جاء في الحديث : (يقول الشيطان : أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا اللّه والاستغفار) وقد قال يونس:
/وقال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية ـ رحمه اللّه تعالى : الحمد للّه، نستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ور سوله، صلى اللّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
في مَرَضِ القلُوبِ وَشِفَائِهَا قال الله تعالى عن المنافقين: ومرض البدن خلاف صحته وصلاحه، وهو فساد يكون فيه يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية، فإدراكه إما أن يذهب كالعمى والصمم، وإما أن يدرك الأشياء على خلاف ما هي عليه كما يدرك الحلو مرًا، وكما يخيل إليه أشياء لا حقيقة لها في الخارج. وأما فساد حركته الطبيعية، فمثل أن تضعف قوته عن الهضم، أو مثل أن يبغض الأغذية التي يحتاج إليها، ويحب الأشياء التي تضره، ويحصل له من الآلام بحسب ذلك، ولكن مع ذلك المرض لم يمت ولم يهلك، بل فيه نوع قوة على إدراك الحركة الإرادية في الجملة، فيتولد من ذلك ألم يحصل في البدن إما بسبب فساد الكمية، أو الكيفية. فالأول: إما نقص المادة فيحتاج إلى غذاء، وإما بسبب زيادتها، / فيحتاج إلى استفراغ. والثاني: كقوة في الحرارة والبرودة خارج عن الاعتدال، فيداوى.
|